التطرف الاسلامي وتنامي الايديولوجية السلفية في شرق افريقيا
اعداد المركز الافريقي للدراسات الاستراتيجية
ملخص
لقد أفضى تنامي الإيديولوجية السلفية في شرق أفريقيا إلى تحدي معايير التسامح والتعاون الراسخة بين الأديان في المنطقة. وقد كان هذا نتاج مزيج من العوامل الخارجية والداخلية التي تشمل جهودًا استمرت عقودًا من قبل المؤسسات الدينية في المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، في نشر تفسيرات شديدة التحفظ عن الإسلام في المساجد، والمدارس الدينية، والشباب المسلم، والمراكز الثقافية في جميع أنحاء شرق أفريقيا. ونظرًا لتجذر هذه الأيديولوجية في هوية ثقافية عربية معينة، فقد عملت على تعزيز علاقات دينية أكثر تفرديةً واستقطابًا في المنطقة، وهو ما ساهم في زيادة الهجمات العنيفة. وقد تفاقمت هذه التوترات بفعل الاختلافات الاجتماعية-الاقتصادية والردود الحكومية الصارمة في كثير من الأحيان والتي يُنظر إليها على أنها عقاب جماعي لمجتمعات بأكملها على تصرفات عدد قليل من الأشخاص. ولمعالجة هذه التحديات سنحتاج لاستراتيجيات مستدامة لإعادة بناء التسامح والتضامن محليًا بالإضافة إلى كبح التأثير الخارجي للأيديولوجية المتطرفة والجهات الفاعلة.
أبرز النقاط
- في حين أن التطرف الإسلامي في شرق أفريقيا غالبًا ما يكون مرتبطًا بـ[حركة] الشباب والصومال، إلا أنه يتوسع بدرجات متفاوتة في جميع أنحاء المنطقة.
- لم تبرز الأيديولوجية الإسلامية المتشددة في المنطقة إلا في وقت متأخرٍ نسبيًا –تم استيرادها من العالم العربي– متحدية بذلك كل أعراف التسامح الراسخة منذ زمن.
- من المرجح أن تؤدي مواجهة التطرف الإسلامي من خلال إجراءاتٍ شرطيةٍ صارمة أو خارج نطاق القضاء، إلى نتائج عكسية تتمثل بتأجيج الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية، سواء كانت حقيقية أم متصورة والروايات الإقصائية التي تستخدمها الجماعات المتطرفة العنيفة.
يتركز خطر التطرف الإسلامي في الأغلب على الصومال والأعمال العنيفة لـ[حركة] الشباب. ومع ذلك، فمن الممكن الآن العثور على من يناصر نماذج متطرفة من الإسلام في جميع أنحاء شرق أفريقيا. وتصاعدت نتيجة لذلك التوترات داخل المجتمعات الإسلامية ما بين بعض الجماعات الإسلامية والمجتمع الأوسع في السنوات الأخيرة.
لم تظهر هذه التوترات بشكل مفاجئٍ أو عفوي. وإنما تعكس تراكمًا للضغوط على مدى عقود. وتعزى نشأتها إلى حد كبير لدوافع خارجية تتمثل في انتشار الأيديولوجية السلفية في دول الخليج. وتعززت بفعل الطفرة النفطية العالمية والرغبة في نشر النسخة الوهابية المتطرفة للإسلام في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وبدأت بتدفق التمويل للمساجد، والمدارس الدينية، والشباب المسلم، والمراكز الثقافية إلى المنطقة، وارتفعت مستوياتها في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. واتسعت بشكل مطرد فرص شباب شرق أفريقيا للدراسة في العالم العربي. وعند عودة هؤلاء الشباب إلى بلدانهم، جلبوا معهم تفسيرات أكثر تزمتًا وتفرديةً عن الإسلام. وقد أدى التوسع في انتشار القنوات الفضائية العربية إلى تعزيز هذه التفسيرات وثقافتها إلى الجمهور
وكانت النتيجة هي الظهور المتزايد لفئة إسلامية تصادمية في شرق أفريقيا. وسادت التعاليم السلفية، التي كان يُنظر إليها ذات يوم على أنها هامشية. وتزايدت أعداد المساجد السلفية بشكل سريع. وبالتالي لم يعد من المقبول إجراء حوار مفتوح حول مبادئ الإسلام (انظر الإطار). وقد أدى التشدد في عدم التسامح إلى تعاظم الاستقطاب الديني.
ومع مرور الوقت، تحولت هذه التوترات إلى عنف. فقد ارتفعت الهجمات التي يشنها الإسلاميون المتشددون ضد المدنيين في شرق أفريقيا (خارج الصومال) من عدد قليل فقط في عام ٢٠١٠ إلى ما يقرب ٢٠ هجومًا كل عام منذ ذلك الحين. وجرت الأغلبية العظمى من تلك الهجمات في كينيا. وأكثرها إثارة كان حصار مجمع “ويست غيت” للتسوق الذي استمر لعدة أيام في نيروبي عام ٢٠١٣، حيث تسبب المسلحون بمقتل أكثر من ٦٠ مدنيًا وإصابة المئات. وعلى الرغم من أن [حركة] الشباب أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم، إلا أن الخبراء يتفقون على أن الهجوم تطلب دعمًا من العديد من المتعاطفين المحليين والكينيين. وقد ارتكبت [حركة] الشباب هجومًا أكثر دمويةً في العام التالي عندما اقتحم أعضاء صوماليون وكينيون من الجماعة حرم جامعة غاريسا الكينية وقتلوا ١٤٧ طالبًا. كانت [حركة] الشباب تحاول تشديد الحركة الانقسامية المحتملة لهذه الهجمات من خلال الاستفراد بغير المسلمين لإعدامهم.
كما ازدادت الهجمات محليًا على نطاق أصغر وبشكل منتظم. فتم استهداف مواقف الحافلات، والحانات، والمتاجر، والكنائس وحتى المساجد والأئمة المعتدلين. ونُسبت بعض هذه الهجمات إلى مركز الشباب المسلم (MYC)، وهي جماعة تتخذ من نيروبي مقرًا لها وأشادت بالأنشطة الإسلامية المسلحة. كما قدم مركز الشباب المسلم، الذي بدأ باستخدام اسم “الهجرة” في عام ٢٠١٢، دعمًا لـ[حركة] الشباب عن طريق جمع الأموال والتجنيد ويزعم أنه مرتبط بهجوم “ويست غيت”. واندلعت في مومباسا اشتباكات عنيفة في الشوارع بين أتباع رجال دين إسلاميين متشددين والشرطة في عدد من المناسبات.
في تنزانيا، اتُهم الشيخ بوندا عيسى بوندا وجماعته جومويا يا تاسيسي زا كيسلام (“مجتمع المؤسسات الإسلامية”) بالتحريض على أعمال الشغب وحرق الكنائس في دار السلام. وتعد تنزانيا أيضًا موطنًا لأنصار مركز الشباب المسلم المرتبط بحركة الشباب.١
منذ عام ٢٠١٤ وسفارة الولايات المتحدة في أوغندا تُصدر بشكل منتظم تحذيرات بشأن هجمات محتملة. وتزامن أحد هذه التحذيرات مع إحباط القوات الأوغندية هجومًا وشيكًا لخلية إرهابية مقرها كمبالا، واعتقلت ١٩ شخصًا وضبطت كمية من المتفجرات والسترات الانتحارية.٢ وكان أبرزها ما شهدته أوغندا من تفجير مزدوج في تموز/ يوليو ٢٠١٠ أسفر عن مقتل ٧٦ شخصًا كانوا مجتمعين في مطعم ونادٍ لرياضة الرغبي في العاصمة لمشاهدة نهائي كأس العالم. وأعلنت [حركة] الشباب مسؤوليتها عن الهجوم، لكن في عام ٢٠١٦ أدين سبعة رجال من أوغندا، وتنزانيا، وكينيا، بتنفيذ الهجوم.
يبدو أن الروابط ما بين المنطقة والحركة الجهادية العالمية آخذة في التوسع. ففي حين كانت كينيا وتنزانيا أهدافًا لتفجير سفارات الولايات المتحدة بتدبير من القاعدة في عام ١٩٩٨ والهجوم على فندق سياحي في مومباسا في عام ٢٠٠٢، إلا أن المنطقة لم تكن مرتعًا لدعم الجهاد العالمي. ومع ذلك، فقد حذر وزير الدفاع التنزاني حسين علي مويني من أن أعدادًا متزايدة من المواطنين ينضمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية والشباب.٣ ويومًا ما، قد يعود مجندو شرق أفريقيا هؤلاء إلى بلدانهم مشكلين خطرًا أمنيًا جديدًا
لقد أدى العنف المتزايد من قبل المتطرفين الإسلاميين إلى ردود قوية من الجهات الأمنية في شرق أفريقيا. ومع ذلك كان يتم تنفيذ هذه العمليات في بعض الأحيان بشكل عشوائي. فعلى سبيل المثال، أسفرت عملية المراقبة الأمنية التي قامت بها الحكومة الكينية واطلقت عليها اسم “أوسلاما واتش” عن اعتقال ما يقدر بنحو ٤٠٠٠ شخص، أغلبيتهم دون تهمة. وتم تنفيذها إلى حد كبير في المناطق التي تضم أعدادًا كبيرة من السكان المسلمين الصوماليين، وكان انطباع الكثيرين في هذه المجتمعات أنهم كانوا يُعاقبون ظلمًا على أفعال حفنة من المتطرفين. ٤ وقد تكون النتيجة المزيد من الدعم للجماعات الإسلامية العنيفة. كشفت المقابلات مع أعضاء الجماعات الإسلامية المتطرفة المولودين في كينيا عن أن ٦٥ في المئة من المشاركين أشاروا إلى سياسة مكافحة الإرهاب في كينيا على أنها العامل الأساسي الذي دفعهم للانضمام إلى حملة العنف٥
باختصار، انتشرت الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة عبر مجتمعات شرق أفريقيا، جالبة معها مزيدًا من الاستقطاب المجتمعي والعنف. ومع ذلك، فإن المزيد من التصعيد ليس أمرًا حتميًا. فلدى المنطقة تقليد قديم من الانسجام بين الأديان. ومع ذلك، تُظهر التجربة أنه قد يكون من الصعب جدًا مكافحة الإيديولوجية الإسلامية الراديكالية إذا تجذرت في المجتمع. لذلك، من الضروري أن تفهم الحكومات والمواطنون في شرق أفريقيا الدوافع الخارجية والمحلية لهذه الأيديولوجيات المتطرفة، بحيث يمكن إيقاف عملية التطرف قبل أن تترسخ داخل المجتمعات المحلية وتزداد عنفًا.
نشوء الإسلام وتطوره في شرق أفريقيا
يعيش المسلمون في شرق أفريقيا منذ أجيال. ويعود تاريخ التبادل التجاري والثقافي بين شرق أفريقيا والعالم العربي إلى قرون خلت. نشأت هذه الروابط قبل الاستعمار الأوروبي وحافظت على نفوذ اجتماعي واقتصادي كبير. الأرقام الدقيقة غير معروفة تمامًا ولكن يبدو أن المسلمين يشكلون ما بين ١٠ و١٥ في المئة من السكان في كينيا وأوغندا وحوالي ٣٥-٤٠ في المئة من السكان في تنزانيا.
لم تكن الجالية الإسلامية في شرق أفريقيا موحدة. فالطقوس والاحتفالات والتفسيرات الدينية كانت متباينة في جميع أنحاء المنطقة. ويشترك معظم مسلمي شرق أفريقيا في التفسيرات السنية للإسلام، على الرغم من وجود جاليات شيعية وأعضاء من الطائفة الأحمدية. كما أن التصوف، الذي غالبًا ما تنطوي تفسيراته “الصوفية” للإسلام على تبجيل للأولياء، أصبح شائعًا أيضًا. وتسللت بعض الممارسات والطقوس من المعتقدات الأفريقية التقليدية إلى بعض المجتمعات الإسلامية، بما في ذلك إيلاء الأشياء المقدسة أهمية روحانية. وعلى الرغم من هذه الاختلافات، فإن المجتمعات الدينية في المنطقة، سواء كانت إسلامية أم غير إسلامية، كانت تميل تاريخيًا إلى التعايش السلمي والتغاضي عن الاختلافات اللاهوتية أو الممارسة الدينية.
لقد تغير هذا الأمر في بعض المجتمعات في العقود الأخيرة نتيجة لتنامي نفوذ الفكر السلفي. تبنى عدد قليل ولكن متزايد من المسلمين تفسيرات أكثر تفرّديةً لدينهم، وغيروا بالتالي علاقتهم مع غيرهم من المسلمين، ومع الأديان الأخرى، ومع الدولة. إن النظرة الراديكالية للنضال العالمي من أجل الإسلام ليست منتشرة ولا بأي حال من الأحوال لكنها حاضرة فعلاً كما لم تكن من قبل.٦
إحدى القنوات التي حدث من خلالها هذا التحول هي من خلال التعليم. فنظرًا لافتقارها لفرص التعليم الأخرى، تعتمد العائلات المسلمة في المناطق المهمشة على المدارس الدينية أو الإسلامية. وعلى مدى عدة عقود خلت، كانت هذه المدارس الدينية تستفيد من تدفقات متزايدة من التمويل من مراكز التعليم الدينية المتواجدة في الدول العربية. في هذه العملية، كان هؤلاء الطلبة يتعرضون بشكل مطرد للهوية الثقافية والدينية للدول الراعية.
كما توسعت فرص التعليم الجامعي أيضًا. ففي حين لا يزال ينظر إلى الشهادات الجامعية في الغرب على أنها الأرقى اعتبارًا، إلا أن الدول الغربية زادت من معيقات الهجرة عقب هجمات مركز التجارة العالمي عام ٢٠٠١. وفي الوقت نفسه، كانت فرص المنح الدراسية في العالم العربي تتزايد. وقد استمر هذا التوجه وأخذ بالتسارع منذ عام ٢٠١٠ (انظر الشكل البياني). وعمليًا، لجأ العديد من مسلمي شرق أفريقيا لاقتناص هذه الفرص وتعرضوا للمزيد من النسخ الأصولية للإسلام.
وكانت هنالك وسيلة أخرى تم من خلالها تغيير تفسيرات الإسلام في شرق أفريقيا وهي الوصول إلى وسائل الإعلام من العالم العربي. فقد أدى التوسع في عدد المحطات الفضائية العربية ونطاقها الجغرافي في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي إلى جلب المعايير الثقافية العربية إلى جمهور أوسع في شرق أفريقيا بشكل يومي. وهذا ما عزز التفسيرات الأكثر تحفظًا للإسلام فيما يتعلق بالملابس، ودور المرأة، والعلاقات المتباينة بين المسلمين وغير المسلمين.
يتجلى زخم مثل هذه الأفكار في تزايد شعبية رجال الدين المتطرفين ونفوذهم. حيث أصبحت السلفية، التي كانت شعبةً هامشيةً من الإسلام في شرق أفريقيا في التسعينيات، شائعة اليوم. من أبرز المؤيدين في كينيا، كان الداعية أبو روغو محمد الذي عمل أكثر من عقد في تشويه سمعة غير المسلمين، وانتقد المسلمين المعتدلين، وأمر أتباعه بالتخلي عن الحوار بين الأديان، والامتناع عن السياسة، ومقاطعة الانتخابات. في إحدى خطبه، اعتبر روغو الهجوم على إحدى الكنائس الذي أسفر عن مقتل ١٧ شخصًا بمثابة “انتقام عادل” لتعدي المسيحيين على أراضي المسلمين. أعلن روغو، الذي كان يرتبط ارتباطًا وثيقًا بجماعة الهجرة الإسلامية المسلحة وغيرها من المدارس الإسلامية المحافظة، بشكل منفرد أنه “نعيش نحن [المسلمين] في هذا البلد بين الكفرة”٧ ولم ينتهِ فكر روغو بعد وفاته في عام ٢٠١٢. ولا تزال خطبه وخطب غيره التحريضية متداولة في جميع أنحاء المنطقة على الكاسيتات والأقراص المضغوطة.
في تنزانيا، يعمل رجال الدين المتطرفون الآن بقوة على تحدي سلطات المنظمات الإسلامية الأكثر اعتدالاً ويحرضون على الاحتجاجات والاشتباكات مع الهيئات الحكومية تحت ذرائع مشكوك في صحتها. كما تحدى الشيخ بوندا الجماعات الإسلامية المعتدلة مثل “برازا كولا ويسلام تنزانيا- المجلس الأعلى للمسلمين” (باكواتا- Bakwata) ، وهي هيئة إسلامية شبه حكومية. وقد دعا هو وأتباعه إلى مقاطعة عمليات الإحصاء الحكومية وإلى إقالة مسؤولي التعليم زاعمًا أنهم يميزون ضد المدارس الإسلامية.٨ وتضم شبكة بوندا، التي نشطت منذ التسعينيات، مئات المساجد وعشرات المدارس الإسلامية في جميع أنحاء تنزانيا. وكانت التفسيرات المتطرفة للإسلام ومفاهيم الانقسام الديني والاضطهاد من قبل الدولة قد تسللت أيضًا إلى خطب الدعاة الإسلاميين التنزانيين الآخرين.٩ وكما هو الحال في كينيا، جاء هذا الخطاب مع تصاعد الهجمات، بما في ذلك الهجمات ضد الأجانب والقادة المسيحيين.١٠
التأثيرات الخارجية
أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في تحول شرق أفريقيا نحو التفسيرات الأكثر تشددًا للإسلام هو تأثير الجماعات الإسلامية الأجنبية الممولة تمويلاً جيدًا، والتي تشمل ما يسمى بالمنظمات الوهابية التي ترعى الأنشطة التعليمية والدينية بتمويل من ثروات المملكة العربية السعودية، وقطر، ودول الخليج الأخرى الغنية بالنفط. وعلى عكس التقليد التاريخي لشرق أفريقيا المتمثل في غرس العادات الدينية مع التقاليد المحلية، فإن الوهابية تعد تفسيرًا محافظًا للقرآن إلى حد التطرف. فهي تحظر معظم جوانب التعليم الحديث، وتطلب الالتزام بقواعد صارمة في اللباس، وتتمسك بالتقاليد القديمة في العلاقات الاجتماعية، ولا تقيم وزنًا للعديد من حقوق الإنسان الأساسية، وخاصة ما يتعلق بالنساء. وفي حين أن الوهابية لا ترفض الأديان الأخرى من حيث المبدأ، إلا أن العديد من الدعاة الوهابيين لا يتسامحون مع وجهات النظر الأخرى. حتى التفسيرات الأخرى للإسلام، مثل الصوفية، تعتبر هرطقة وإهانة عند الوهابيين.١١ إن نسخة الإسلام التي يتم عمليًا استيرادها إلى شرق أفريقيا تكون متجذرة في هوية ثقافية عربية معينة.١٢ وهذا يختلف تمامًا عن التقاليد الإسلامية التي نشأت وتطورت في دول إسلامية أخرى مثل ماليزيا أو إندونيسيا.
كان للجماعات الإسلامية الشرق أفريقية التي ترعاها جهات أجنبية تواجد في شرق أفريقيا منذ منتصف القرن العشرين، ولكنها توسعت بشكل ملحوظ منذ السبعينيات.١٣ ووفقًا لأحد التقديرات فإن التمويل المثبت من المملكة العربية السعودية يبلغ مليون دولار سنويًا على المؤسسات الإسلامية في زنجبار وحدها.١٤ أهداف التمويل الأجنبي متفرقة، وتتوزع على المراكز الاجتماعية، والمدارس الدينية، ومؤسسات التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي، وعلى البرامج الإنسانية والاجتماعية. وهنالك الكثير من الاستثمارات الكبيرة التي تمتد لعدة سنوات. وخير مثال على ذلك وكالة مسلمي أفريقيا الواقعة في الكويت.١٥ فهي تعمل في جميع أنحاء القارة، بما في ذلك كينيا، وملاوي، ومدغشقر، وأوغندا، وزيمبابوي. تتضمن إحدى هذه العمليات اتفاقية لمدة ٣٣ عامًا تم توقيعها في عام ١٩٩٨ مع حكومة زنجبار لتشغيل جامعة خرّجت حتى الآن أكثر من ١٢٠٠ خريج.١٦
في البداية، لم تكن الفائدة من هذه الأموال تقتصر على الوهابيين أو المحافظين. فتقوم بعض المدارس، والمراكز الاجتماعية، وبرامج التوعية الإنسانية بمزج المواد والبرامج الوهابية مع الأنشطة العلمانية للوصول إلى جمهور أوسع. في كينيا، قدمت الحكومة السعودية على مدى عقود الدعم المالي والمنح الدراسية لكلية كيسوني للدراسات الإسلامية في مومباسا، حيث درس أبو روغو محمد.١٧ ومن المحتمل أن عشرات وربما مئات المدارس الدينية والابتدائية والثانوية قد تم تشييدها والتعهد بتمويلها في كينيا بشكل مماثل.
إن بعض الأنشطة التي تدعمها هذه الجماعات الإسلامية الأجنبية تستحق الثناء. لقد تكفلت هذه الجماعات بالرعاية الطبية وقدمت المساعدات أثناء الكوارث، على غرار المنظمات الدينية والعلمانية الأخرى. ومع ذلك، فلم تكن هذه الأنشطة الإنسانية حميدة كليًا، حيث إن العديد من هذه الجماعات الإسلامية سوف تدمج التبشير في جميع أنشطتها أو أنها ستطلب من المشاركين الالتزام بأعراف صارمة ومحافظة للحصول على الأموال أو المنافع.١٨
لدى بعض الجماعات علاقات بالفعل مع المنظمات الإسلامية المتشددة. فعلى سبيل المثال، تم إغلاق مؤسسة الحرمين الإسلامية الممولة سعوديًا وطردها من كينيا وتنزانيا بسبب هذه العلاقات، وقد كان للمؤسسة حضور كبير في مخيمات اللاجئين وكانت تدعم العديد من المدارس الدينية في شرق أفريقيا، بما في ذلك بعض المدارس المرتبطة بمركز أنصار الشباب المسلم.١٩ وعلى نحو مماثل تم الاكتشاف بأن جمعية إحياء التراث الإسلامي، وهي مؤسسة كويتية غير حكومية، تقوم بتقديم الدعم المالي والمادي لمنظماتٍ مرتبطةٍ بالقاعدة، بما في ذلك حركة الشباب السلفي، والاتحاد الإسلامية (AIAI). ومن الجدير بالذكر أن قادة AIAI الصوماليين كانوا قد تلقوا معظم تعليمهم في الشرق الأوسط. ٢٠
تتمتع المؤسسات التعليمية، سواء كانت جامعات أم مدارس دينية مجردة، بقيمة استراتيجية واضحة في تشكيل معتقدات الشباب. فبعض هذه المدارس تقدم فعلاً إرشادات قيمة في الرياضيات، والعلوم، وما هو أكثر من ذلك. إلا أنهم أيضًا يلقنون الطلبة تفسيرًا إقصائيًا متحجرًا للإسلام يؤكد على الدعوة، أو المزيد من التبشير لهذه الفصيلة من الإسلام. كما تتبع المناهج الدراسية أحيانًا مبدأ يدعى “أسلمة المعرفة” تم تطويره في محاولة للتوفيق بين الأخلاق الإسلامية الأصولية وبين تخصصات القانون، والأعمال المصرفية، والتمويل، وأمور أخرى. ومع مرور الوقت، يستوعب الطلبة أفكارًا محددة جدًا لما هو إسلامي وما هو غير ذلك ومن هو المسلم من غير المسلم، ويتم تشجيعهم على الترويج الفعال لهذه الآراء بحد ذاتها.٢١ وهذه وصفة للمواجهة، حتى ولو أن البرامج التي روجت في البداية لمثل هذه الآراء لم تدعُ إلى العنف.
“غالبًا ما تكون نسخة الإسلام التي يتم استيرادها إلى شرق أفريقيا متجذرة في هويةٍ ثقافيةٍ عربية معينة”.
غالبًا ما كان يقتصر هذا التأثير المتنامي للإسلام المتطرف في شرق أفريقيا على أحياء، أو مدن، أو مناطق معينة. ولكنها كانت تأثيرات تراكمية ومتفاقمة، ما حدا بعددٍ متزايدٍ من الجماعات في المنطقة إلى أن تتبنى تدريجيًا مهام أكثر عدوانية وتصادمية. إن تنامي الشبكات التي قد تكون متعاطفة مع التطرف العنيف هو ما يضع الأساس للتعاون المحلي الذي شوهد أو يشتبه بوجوده وراء الهجمات الفتاكة لحركة الشباب في كينيا، وتنزانيا، وأوغندا.
المظالم الاجتماعية-الاقتصادية
في حين أن الفكر الإسلامي المتطرف الذي يترسخ في شرق أفريقيا يتم استيراده من أماكن أخرى، إلا أن هنالك عوامل تتفاقم وتلعب دورًا في مغزى تردد صدى مثل هذا الفكر عند ظهوره. على سبيل المثال، على الرغم من أن الإرهابيين يظهرون مستويات متفاوتة من الثروة، والتعليم، والحَميّة والخبرة، إلا أن التهميش الاجتماعي-الاقتصادي يغذي مصداقية الروايات المتطرفة وانتشارها. في شرق أفريقيا، دفعت الأفكار المأخوذة عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي غير المتكافئ وبعض تصرفات الدولة غير الحكيمة المسلمين نحو نزعات أكثر تحفظًا وسمحت لروايات “نحن ضدهم” بأن يتردد صداها.
يوجد لدى مسلمي شرق أفريقيا مظالم مشروعة. فالبطالة لدى الشباب في ساحل كينيا الذي يهيمن عليه المسلمون والمقاطعات الشمالية الشرقية تزيد بنسبة ٤٠-٥٠ في المئة عن المتوسط الوطني.٢٢ وتميل معدلات الالتحاق بالمدارس وإتمام الدراسة الابتدائية والثانوية إلى الانخفاض في المقاطعات الإسلامية، ربما لأن نسبة المدارس والمعلمين لكل طالب في المقاطعتين الساحليتين قليلة مقارنة بمناطق أخرى في كينيا. ويمكن مشاهدة أنماط مماثلة في تنزانيا. فقد بلغت نسبة البطالة لدى الشباب في جزيرة زنجبار ذات الأغلبية المسلمة حوالي ١٧ في المئة في السنوات الأخيرة،٢٣ وهو ضِعف المعدل الوطني البالغ ٩ في المئة. ٢٤ كما أن المناطق الساحلية ذات الأغلبية المسلمة تعاني من سوء تعريف حقوق الملكية، وهذا ما يعيق الفرص الاقتصادية ويمهد الطريق للاستيلاء على الأراضي من حين لآخر من قبل الحكومة أو الشركات الكبيرة غير المحلية.
تعرض استطلاعات الرأي العام صورة أقل إثارة للانقسام على المستويات الوطنية. فأظهر أحد الاستطلاعات التي أجريت على الكينيين أن حوالي نصف المسلمين المستطلعة آراؤهم يرون أن ظروفهم المعيشية مشابهة أو أفضل من ظروف غيرهم. وبالمقارنة، كان لدى ثلثي المسيحيين المستطلعة آراؤهم الشعور نفسه. ومع ذلك، فإن هذا يعكس المشاعر الإسلامية التي تتطابق تقريبًا مع مشاعر بقية المجتمع الكيني، وقد استمرت هذه الرؤية لعدة سنوات وفقًا لجولات الاستطلاع السابقة في عامي ٢٠٠٨ و٢٠١١، ٢٥ وفي تنزانيا، رأى ٥٣ في المئة من المسلمين الذين شملهم الاستطلاع أن ظروفهم المعيشية مشابهة أو أفضل من ظروف غيرهم من التنزانيين. وكانت إجابات المسيحيين مماثلة. من المحتمل أن هذه النتائج تعكس التاريخ الطويل للعلاقات المتناغمة بين الأديان في المنطقة والمرونة المتواصلة لمثل هذه الروابط عند النظر إليها على المستوى الوطني.
غالبًا ما يكون تحدي التطرف الإسلامي ظاهرة محلية. فالأفكار المأخوذة عن التمييز الديني تزداد في بعض المناطق التي وجدت فيها الروايات الإسلامية الإقصائية المثيرة للخلاف والتي تم تداولها لفترة أطول، وتشمل هذه المناطق مومباسا، وزنجبار، وتانغا، وأجزاء من دار السلام ونيروبي. وبناءً على ذلك، يبقى مسلمو شرق أفريقيا الذين يؤيدون التفسيرات المتطرفة للإسلام أقلية صغيرة (وإن كان لها رأيها المسموع). ومع ذلك، فإن تنامي هذه الأقلية يعكس تآكلًا مطردًا ودائمًا في صمود شرق أفريقيا في مواجهة الفكر الإسلامي المتطرف الذي كان يعرقل تقدم المنطقة.
أصبحت الادعاءات بأن المسلمين يُحرمون عمدًا من الفرص الاقتصادية، والتعليمية، وغيرها مقارنة بأبناء وطنهم من غير المسلمين أمرًا شائعًا داخل المجتمعات الإسلامية في المنطقة، المعتدلة والمتطرفة على حد سواء.٢٦ بالنسبة للكثير من المسلمين، وخاصة الشباب، فإن مثل هذا التباين يثبت شرعية الرسائل الخلافية للمراكز الإسلامية الأصولية، والمدارس الدينية، والمساجد.
الإجراءات الحكومية المنفِّرة
سعت حكومات شرق أفريقيا لاتخاذ إجراءات قانونية ضد عدة قادة مسلمين في السنوات الأخيرة في محاولة لعزل المتطرفين المشتبه بهم. لسوء الحظ، فشلت الكثير من هذه الجهود القضائية، ما عزز الشعور بأن الحكومة تضطهد المسلمين بشكل غير عادل. على سبيل المثال، عندما حوكم الشيخ بوندا بتهمة التحريض على أعمال الشغب في تنزانيا في تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠١٢، أسفرت التُهم سيئة الصياغة والتحقيق الضعيف عن إصدار حكم لمدة قصيرة مع وقف التنفيذ. واتهم بوندا مرة أخرى فيما بعد بتحريض المسلمين في زنجبار وموروغورو على الإضراب وأعمال الشغب. ومع ذلك، بعد عامين من المقاضاة، تمت تبرئته لعدم كفاية الأدلة. وحتى آنذاك، أعلنت النيابة عن نيتها رفع القضية التي خسرتها مرتين إلى المحكمة العليا في تنزانيا. في كينيا، وُجهت للشيخ محمد دور تهمة التحريض بعد مزاعم بأنه كان ينوي تمويل جماعة انفصالية ساحلية. سرعان ما غير المدعون التُهم، ثم أجل القاضي المحاكمة، وفي النهاية تنازلت الدولة عن القضية بالكامل.
“غالبًا ما اقتصر هذا التأثير المتنامي للإسلام المتطرف في شرق أفريقيا على أحياء معينة … ولكنها كانت تأثيرات تراكمية ومتفاقمة”.
كما تم اعتقال قادة مسلمين بارزين في كينيا وتنزانيا على يد العناصر الأمنية دون توجيه أي تهمٍ إليهم. واغتيل بعضهم في ظروف غامضة. وتم منذ سنوات تداول مزاعم على نطاق واسع تدور حول فرق الموت التي ترعاها الشرطة وتقوم باستهداف زعماء المسلمين المتطرفين. ومن بين الأحداث المنسوبة إلى مثل هذه الفِرق مقتل أبي محمد روغو، الذي قُتل في إطلاق نار من سيارة عابرة في مومباسا في آب/ أغسطس ٢٠١٢. وكان معه في السيارة والده وابنته وزوجته التي أصيبت بجروح. وبعد ما يزيد عن عام بقليل، وبعد أسابيع فقط من هجوم مركز “ويست غيت” التجاري في نيروبي، قُتل الشيخ إبراهيم إسماعيل خليفة روغو وثلاثة آخرون في إطلاق نار آخر من سيارة عابرة. كما قُتل خليفة إسماعيل، الشيخ أبو بكر شريف، المعروف باسم مكابوري في نيسان/ أبريل ٢٠١٤، بعد يومين فقط من اكتشاف وحدة مكافحة الإرهاب التابعة للشرطة لعلاقة له بهجمات جماعة الهجرة في مومباسا قبل شهر.
زعمت منظمة “مسلمون من أجل حقوق الإنسان”، وهي جماعة دعوة كينية، أن الشرطة والنيابة العامة قد تلجأان إلى إجراءات خارج نطاق القضاء بسبب عجزهما عن إجراء التحقيقات الصحيحة أو محاكمة المتطرفين الإسلاميين المشتبه بهم. وقد تعززت هذه الروايات مع مرور الوقت. وأفادت منظمة “هيومان رايتس ووتش” (Human Rights Watch) أنه في الفترة من ٢٠١٤ إلى ٢٠١٦، قامت قوات الأمن الكينية “بالإخفاء القسري” لما لا يقل عن ٣٤ شخصًا خلال عمليات مكافحة الإرهاب في نيروبي والشمال الشرقي، وهناك ١١ حادثة على الأقل تم فيها العثور على جثث لأشخاص اعتقلتهم السلطات الحكومية مؤخرًا. وادعى أحد كبار المحققين الصحافيين في كينيا أن الأرقام كانت أعلى من ذلك بكثير، وقال إنه كشف النقاب عن ١٥٠٠ حالة قتل لمواطنين خارج نطاق القضاء على يد الشرطة منذ عام ٢٠٠٩. ٢٧
وقد تم الكشف عن اتهامات مماثلة في تنزانيا. ففي تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠١٢، اختفى الشيخ فريد هادي أحمد، رئيس “جماعة الصحوة الإسلامية”، التي تنادي بحكم ذاتي في زنجبار على الشريعة الإسلامية. وطالب قادة جماعة الصحوة الشرطة بالتحقيق في الأمر. وأشعل المؤيدون تظاهرات بعضها كان دمويًا. وعاد أحمد إلى الظهور بعد ٤ أيام وادعى أن ضباط الشرطة قد اختطفوه. وسرعان ما اعتقلته الشرطة واحتجزته دون كفالة لعدة أشهر بموجب مادة من قانون الأمن الوطني. وفي نهاية المطاف رفض أحد القضاة العديد من التهم الموجهة إلى أحمد على مستوى المحافظة لأن النيابة أخفقت في تقديم أي دليل ضده. ومع ذلك، بقيت تُهم التحريض والتورط في التآمر على اختطافه شخصيًا سارية. ثم حالت النيابة دون قدرة أحمد على تقديم طلب للإفراج عنه بكفالة أو حتى تقديم التماس. بعد رفع قضيته إلى المحكمة العليا في تنزانيا، تم الإفراج عن أحمد بكفالة في عام ٢٠١٤ بعد أن قضى ١٧ شهرًا في السجن. بعد ستة أشهر، تم اعتقاله مجددًا بتهم تتعلق بالإرهاب.
وبعيدًا عن تفاصيل هذه القضية أو غيرها، فإن الافتقار إلى الشفافية ونمط الاعتقالات العشوائية وسياسات الكفالة والمحاكمات جعل العديد من المسلمين يشككون في القادة السياسيين ومؤسسات الدولة. هذا إلى جانب الشعور بأنهم قد تم تهميشهم اقتصاديًا، فإن العديد منهم يحجمون بشكل متزايد عن العمل مع الهيئات الحكومية القائمة لتصحيح الأخطاء التي يتصورونها. ولهذا، يمكن أن تبدو الروايات الإسلامية المتطرفة والتفردية أكثر إقناعًا.
تقهقر عملية انتشار التطرف
أظهرت هذه المراجعة وجود دوافع خارجية وداخلية وراء التطرف الإسلامي في شرق أفريقيا. لذلك فإن تدارك هذا التهديد سيتطلب إطار عمل من سلسلة من الإجراءات على كلا المستويين.
مكافحة التأثيرات الخارجية والتركيز على تقاليد التسامح المحلية
بدأت روايات التفرد الإسلامية المزعزعة للاستقرار -والمستوردة حديثًا نسبيًا– تعمل على تآكل تاريخ طويل من التسامح في شرق أفريقيا. تحتاج الحكومات ومجموعات المجتمع المدني إلى مكافحة ذلك من خلال الاستفادة من تاريخ المنطقة الطويل من التنوع الديني والتسامح وتعزيزهما. سوف يتطلب ذلك مشاركة حقيقية وصبورة نيابة عن الزعماء السياسيين بالإضافة إلى جهود غير مباشرة لدعم المزيد من الحوار بين الأديان الذي سيثمر فوائد بناءة وملموسة للمشاركين.
وكجزء من تعزيز التقاليد الأصلية المتسامحة، سوف يتعين على الحكومات مواجهة التمويل الذي تقدمه الكيانات الإسلامية الأصولية الأجنبية. وسوف يتطلب ذلك اعتماد وسائل شفافة ومتناسقة لتنظيم مصادر التمويل، والخطاب الطائفي، والميول المتشددة للجماعات الدينية. يجب حظر الجماعات التي تحرض على العنف أو المواجهة المفتوحة وملاحقتها قضائيًا بشكل واضح. بالإضافة إلى ذلك، يجب الفصل ما بين تمويل الخدمات الاجتماعية وتمويل الخدمات التبشيرية. ومع ذلك، ينبغي تجنب التجريم الشامل للجماعات الإسلامية المحافظة، لأن ذلك من المرجح أن يحفز المزيد من الدعم للحركات العنيفة. وبدلاً من ذلك، يجب اتباع سياسة التسامح مع حظر واضح للعنف والانقسام.
تطوير الاندماج السياسي للمجتمعات الإسلامية
يجب على القادة السياسيين الاعتراف بأن بعض ادعاءات المسلمين بخصوص التهميش هي ادعاءات مشروعة، سواء كان التهميش مقصودًا أم ناتجًا عن الإهمال. هذا وحده سيوجه رسالة قوية إلى الجماهير المسلمة وقد يثير إحساسًا بالثقة في التعاون والإصلاح. كما يتوجب على القادة توسيع نطاق مشاركة المجتمعات الإسلامية، بما في ذلك تلك المجتمعات التي ربما تكون قد تعرضت لبعض التطرف ولكنها لم تناصر العنف.
عندما تحسن الوضع الأمني في شمال شرق كينيا في النصف الأخير من عام ٢٠١٥، نُسب الفضل في ذلك إلى المنسق الإقليمي محمود علي صالح، وهو سفير سابق إلى المملكة العربية السعودية تم تعيينه في هذا المنصب بعد هجوم جامعة غاريسا. إن ما لوحظ فيما بعد من انخفاض في الإرهاب في هذه المنطقة لم يأتِ نتيجة لفرض المزيد من القوة، ولكنه كان نتيجة لمهارات صالح كمحاور بين الحكومة والمجتمعات المحلية. وقد أدى ذلك إلى تحسين أداء الشرطة المجتمعية والبلاغات الاستخباراتية.
الاستثمار الاقتصادي والمؤسساتي في المواطنين
يجب التعامل مع التباينات الاجتماعية-الاقتصادية بشفافية باعتبارها مظالم مشروعة لكي يتم التقليل منها إلى أدنى حد ممكن. فيجب أن تستهدف البرامج عدم المساواة في التعليم، والدخل، والفرص بصرف النظر عما إذا كان السبب الجذري هو التمييز الديني حقًا أو أنه في الحقيقة أحد أعراض الديناميكيات الإقليمية أو الحضرية أو الريفية. يمكن أن تهدف البرامج إلى رفع مستويات التوظيف في المناطق ذات الأغلبية المسلمة.
كما أنه سيكون من المفيد تعزيز قوانين الملكية وحقوق الأراضي وتوضيحها. يخشى المسلمون في السواحل الشرقية لأفريقيا ممن لديهم حقوق واهية في الأرض لإقامة منازل لهم وشركات من الاستغلال والمصادرة من قبل الحكومة أو الشركات الكبرى. إن تعزيز حقوق الملكية قد يخفف من التوترات الدينية ويسمح بزيادة المشاركة السياسية للطبقة الوسطى الناجحة من المسلمين.
“يتطلب الوضع إعادة بناء قدرات الصمود لدى شرق أفريقيا وتنميتها لمواجهة الرسائل المتطرفة والسلوكيات العنيفة”.
كما أن التعليم أمرٌ أساسيٌ أيضًا. إن المناطق التي يسيطر عليها المسلمون في شرق أفريقيا متأخرة من حيث عدد المدارس ونوعيتها ونسبة المعلمين إلى الطلاب. من الناحية السياسية، حتى التحسينات الطفيفة والسريعة للمرافق الموجودة في هذه المناطق يمكن أن تبني حُسن النية. على المدى الطويل، يجب استهداف المزيد من الشباب المسلم للحصول على منح دراسية لموازنة الآثار الناجمة عن التأثيرات الفكرية الخارجية. ستمكنهم هذه الفرص التعليمية أيضًا من شغل الأدوار القيادية فيما بعد في المجتمع الأوسع، وهو ما يسهل المزيد من الاندماج.
ممارسة الإجراءات القانونية الواجبة
كما يجب على الحكومات أن تدرك أن التصورات هي أيضًا مهمة عند مواجهة الفكر الراديكالي. فالأشخاص الذين يحرضون الآخرين على العنف هم بالتأكيد تهديد للاستقرار. ومع ذلك، إذا لم يقتنع الجمهور بأن الإجراءات القانونية يتم اتباعها، فإن ما تقوم به الشرطة من إجراءات يمكن أن يعزز من دعم المتطرفين ورسائلهم. إن الامتثال للقانون يعزز من قيمته في أذهان (وأفعال) هذه المجتمعات المهمشة، كمصدر للحماية وتوضيح لعدم الشرعية.
لذلك يتوجب على الحكومات تجنب الإجراءات القانونية الموسعة المستندة إلى أُسس ضعيفة أو التي من المرجح أن تفشل في المحكمة. بدلاً من ذلك، ينبغي عليها التركيز على تحسين إجراءات تطبيق القانون، وجمع الأدلة، وبناء قدرات الادعاء. إذا لم تمتلك السلطات الأسباب الكافية لمقاضاة قادة المسلمين المثيرين للفتنة ومؤسساتهم، فسوف يُنظر إلى الاعتقالات على أنها مجرد مضايقات وستؤدي إلى نتائج عكسية تعمل على صقل مزاعم المتطرفين بكونهم ضحايا.
كما يجب أن تتوقف الإجراءات التي تقوم بها الشرطة خارج نطاق القضاء. وبدلاً من ذلك ينبغي أن تدعم الحكومة إجراء تحقيقات شفافة وذات مصداقية على يد خبراء مستقلين لتقييم الادعاءات بأن هنالك قادة مسلمين قُتلوا على أيدي أشخاص لهم صلة بالدولة أو القيادة السياسية. وقد يؤدي نشر نتائج هذه التحقيقات إلى إعادة بناء بعض عناصر الثقة في الحكومة.
خُلاصة القول، ينبغي أن تتمتع الحكومات ببعد النظر بحيث لا تتركز هذه الجهود على أفراد معينين قد يأتون ويذهبون غير آبهين بمدى الصدى الأوسع لآرائهم. وبدلاً من ذلك، يجب عليهم نزع الشرعية عن الفكر المتطرف العنيف بحد ذاته.
المراجع
- “Al Shabaab in Somalia still a threat to peace in spite of decline—UN”، ديفنس ويب، ١٤ آب/ أغسطس ٢٠١٢.
- “Uganda arrests 19 tied to suspected terror attack plot”، . سي بي سي نيوز، ١٤ أيلول/ سبتمبر ٢٠١٤.
- “Situation Report: Tanzania: Video Shows Possible New Islamic State Affiliate,” موقع ستراتفور ويب، ١٨ أيار/ مايو ٢٠١٦.
- ريان كومينغز “Al-Shabaab and the Exploitation of Kenya’s Religious Divide,” المرصد العالمي IPI، كانون الأول/ ديسمبر ٢٠١٤.
- أنيلي بوثا، “Radicalisation in Kenya: Recruitment to al-Shabaab and the Mombasa Republican Council,” صحيفة معهد الدراسات الأمنية ISS ٢٦٥، أيلول/ سبتمبر ٢٠١٤.
- تيرجي أوستيبو، “Islamic Militancy in Africa,” موجز أمن أفريقيا رقم. ٢٣ (مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠١٢)، ٤. تشانفي أحمد، “شبكات المنظمات الإسلامية غير الحكومية في جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى: بعثة بلال المسلم، الوكالة الإسلامية الأفريقية والحرمين (المعونات المباشرة)، صحيفة الدراسات الشرق أفريقية ٣، رقم ٣ (تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠٠٩)، ٤٢٦ – ٤٣٧. أيونيس غاتسيونيس، “بعد الشباب،” النزعات الراهنة في الفكر الإسلامي ١٤ (كانون الأول/ ديسمبر٢٠١٢).
- ديفيد أوشامي، “How fiery cleric Rogo developed, propagated extremism,” ذا ستاندرد، ٢ أيلول/ سبتمبر ٢٠١٢.
- آن روبي، “Muslim Clerics Call for New Census Team,” تنزانيا ديلي نيوز، ٤ حزيران/ يونيو ٢٠١٢.
- أحمد، ٤٣٠-٤٣١ “Muslim clerics warned against hate sermons,” ذا سيتيزن، ٧ كانون الثاني/ يناير ٢٠١٣.
- أندري ليساج، The Rising Terrorist Threat in Tanzania: Domestic Islamist Militancy and Regional Threats, المنتدى الاستراتيجي رقم ٢٨٨ (واشنطن، العاصمة: منشورات جامعة الدفاع الوطني، أيلول/ سبتمبر ٢٠١٤).
- “مقابلة مع: فالي نصر”، موقع PBS “فرونتلاين”، متوفر على الرابط التالي: <http://www.pbs.org/wgbh/pages/frontline/shows/saudi/interviews/nasr.html>
- بن هابرد، “A Saudi Morals Enforcer Called for a More Liberal Islam. Then the Death Threats Began,” ذا نيويورك تايمز، ١٠ تموز/ يوليو ٢٠١٦.
- غاتسيونيس، ٧٤.
- كاترينا مانسون، “Extremism on the rise in Zanzibar,” فاينانشال تايمز، ٢٨ كانون الأول/ ديسمبر ٢٠١٢.
- أحمد، ٤٢٧.
- “Africa Muslim Agency Sets Up College in Zanzibar,” وكالة أنباء بان افريكان، ٢٦ تموز/ يوليو ١٩٩٨.
- Kenyan Somali Islamist Radicalisation ، موجز أفريقيا رقم ٨٥ (نيروبي/بروسلز: مجموعة الأزمات الدولية، كانون الثاني/ يناير ٢٠١٢)، ٥، ١١.
- أحمد، ٤٣٤ – ٤٣٥.
- باتريك مايويو، “Kenya Muslims Say No to US School Funds,” ذا إيست أفريكان، ٣٢ شباط/ فبراير ٢٠٠٤. ” Treasury Announces Joint Action with Saudi Arabia Against Four Branches of Al-Haramain In The Fight Against Terrorist Financing ” بيان صحافي لوزارة الخزانة الأمريكية، ٢٢ كانون الثاني/ يناير ٢٠٠٤.
- “Kuwaiti Charity Designated for Bankrolling al Qaida Network,” بيان صحافي لوزارة الخزانة الأمريكية، ١٣ حزيران/ يونيو ٢٠٠٨.
- جوزيف كروس وميغان ليندو، “Islamic Universities Spread through Africa,” وقائع التعليم العالي ٥٢، رقم ٤٤ (تموز/ يوليو ٢٠٠٧)، ٣٣-٣٧.
- Kenya’s Youth Employment Challenge, حلقة بحث لـ UNDP (نيويورك: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، كانون الثاني/ يناير ٢٠١٣)، ٦٤.
- عيسى يوسف، “Zanzibar Pushes to Curb Unemployment,” تنزانيا ديلي نيوز، ٢٤ تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠١٤.
- Tanzania Mainland Integrated Labour Force Survey ٢٠١٤: Analytical Report, مكتب تنزانيا الوطني للإحصائيات (٢٠١٥)، ٨٣.
- انظر “الاقتصاد: الظروف الاقتصادية الشخصية: ظروفك المعيشية مقارنة بالآخرين،” تحت أفروباروميتر راوند ٥ (٢٠١٠ – ٢٠١٢) كينيا و أفروباروميتر راوند٤ (٢٠٠٨- ٢٠٠٩): كينيا، أفروباروميتر: تحليل على الإنترنت.
- ليات شتريت، ماثيو شوارتز، ودانييل كوتر، Mapping Perceptions of Violent Extremism: Pilot Study of Community Attitudes in Kenya and Somaliland (نيويورك: مركز التعاون العالمي لمكافحة الإرهاب، ٢٠١٣).
- محمد علي وسيماس ميرودان، “Killing Kenya: People & Power investigates allegations that Kenya’s police are involved in extra judicial killings,” الجزيرة، ٢٣ أيلول/ سبتمبر ٢٠١٥.
عبد السيد م. علي هو المستشار السياسي الإقليمي لمكتب ممثل الاتحاد الأوروبي الخاص للقرن الأفريقي مع التركيز بشكل محدد على العنف المتطرف. الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلف ولا تعكس بالضرورة الرأي الرسمي للاتحاد الأوروبي.
مصادر أضافية
- Africa Center for Strategic Studies, “Map of Africa’s Active Militant Islamist Groups,” May 9, 2016.
- Africa Center for Strategic Studies, “The Islamic State and African Terrorism,” July 17, 2015.
- Michael Olufemi Sodipo, “Mitigating Radicalism in Northern Nigeria,” Africa Security Brief No. 26, August 31, 2013.
- Africa Center for Strategic Studies, “Ask the Expert: Dr. Hussein Solomon on Radical Islamism in Africa,” April 19, 2013.
- Terje Østebø, “Islamic Militancy in Africa,” Africa Security Brief No. 23, November 30, 2012.
- Hussein Solomon, “Playing Ostrich: Lessons Learned from South Africa’s Response to Terrorism,” Africa Security Brief No. 9, January 31, 2011.
- Zachary Devlin-Foltz, “Africa’s Fragile States: Empowering Extremists, Exporting Terrorism,” Africa Security Brief No. 6, August 30, 2010.